التناغم في الأسرة الواحدة
كما أن الجسد هو واحد، وله أعضاء كثيرة. وليس جميع الأعضاء لها عمل واحد.
فكيف تتوافق هذه الأعضاء ولا تتضارب في عملها ليظلّ الجسد واحداً؟!.
هذا التوافق والتناغم ما هو إلاّ الانسجام الأسري؛ فشخصية كل فرد مختلفة عن الآخر، كما أن الطموح والمواهب والاهتمامات كذلك مختلفة.. فكيف يتناغم كل أفراد الأسرة، ولا يحدث بينهم انشقاق وهم في بيتٍ واحد، وتربطهم حياة مشتركة واحدة؟
الانسجام الأسري عمل، يتطلب مهارة فائقة للتوفيق بين أعضائها والحفاظ على العلاقات الدقيقة والحساسة بين أفرادها. إنه مثل الفرقة الموسيقية التي- لكي يحدث بينها هارمونية فتعزف لحناً واحداً، لابد أن يكون هناك مايسترو ليقود الفرقة، ولابد أن يتبع كل فرد فيها إشارات المايسترو ليظل على توافق مع زملائه.
الأسرة المسيحية تحتاج إلى قيادة الروح القدس الذي يؤلف القلوب "في يدي الروح صاروا كالقيثار يشدو بالألحان ليلاً ونهار". كما تحتاج الإخلاص القلبي من كل فرد فيها، من أجل الحفاظ على هذا التوافق وتقويته.
في مثل الابن الضال، ما أروع الأب الذي كان يعمل للحفاظ على انسجام أسرته؛ فقبل الابن المتمرد حينما تاب وأراد العودة.. وحينما غضب الابن الأكبر من عودة أخاه والفرح الذي قوبل به ولم يرد أن يدخل، خرج أبوه يطلب إليه.. وبحكمة فائقة أعاد الحب والاخوة بين أبنائه وعاد الانسجام لهذه الأسرة. فمن في أسرتنا يقوم بهذا الدور الرائع للمحافظة على انسجام أسرته؟!
الانسجام الأسري توافق وتناسق، وليس معناه حياة بدون توتر أو صراع، ولكن قد يوجد الاختلاف وليس الخلاف. الانسجام الأسري وفاق حتى بدون اتفاق. الانسجام الأسري يحدث حينما نتعلم كيف نتفاهم وكيف نقبل بعضنا البعض، ونعرف أن الآخر ليس أنا ولابد أن نحافظ على فرادته وتميزه. كما أنه لا نجاح أو فرح أو سعادة لأحد بدون الآخرين وبدون مشاركتهم. الانسجام الأسري هو أن نحقق وصية المسيح التي أكّد عليها كثيراً، أن نحب بعضنا بعضاً كما أحبنا هو وبذل نفسه عنا.
إذا صارت الأسرة منسجمة متفهمة ومتعاطفة، فسوف ينفتح فيها كل شخص على الآخرين، ويقبلهم على اختلافهم ويتعامل معهم بحب واحترام. في الأسرة المنسجمة يصبح كل فرد فيها لا مجرد اسم وشكل، بل شخصاً معروفاً من الآخرين في مختلف وجوه شخصيته، ومحبوباً ومقبولاً في فرادته. عند ذاك يتاح لكل واحد أن يخرج من قوقعته، لأنه يحس أنه مفهوم ومرغوب. فإذا بمناخ المحبة الذي يلفه يفجر فيه طاقات، لم يكن يفطن إلى وجودها فيه، عند ذاك تنمو الثقة عند من كان يشك في قدراته. عند ذاك تنفك عقدة لسان الذين لم يكونوا يجرءون على الكلام لأن أحد لم يشعرهم قبل ذلك أن كلامهم قد يكون له قيمة ووزن. عند ذاك تسقط الأقنعة التي كان كل واحد يحتمي وراءها من قسوة الآخرين وسخريتهم، وينطلق كل واحد إلى لقاء الآخرين كاشفاً لهم كنوزه الدفينة ويبادله حبه وكيانه. عند ذلك تصبح العائلة مكاناً تتجلى فيه علامات ملكوت الله، ملكوت الفرح.