من أنا ؟
ويبقى مع ذلك السؤال قائما: من أنا ؟
هل أنا كائن من بين جملة الحيوانات التى خلقها الله ، تتنفس وتتغذى وتنمو وتتكاثر، وتحس باللذة والألم ، وتتحرك فى الأرض ، أم أنا كائن متميز عن سائر الحيوانات والحشرات بالعقل والحكمة والفهم والقدرة على الخلق والإبداع والإبتكار، بفضل الروح العاقلة الناطقة وإذا كان الأمر كذلك ، وأنا الذى خلقنى الله ربى على صورته ومثاله ( التكوين 1: 26، 27) وجعلنى سيّدا متسلطا على جميع الكائنات دانيها وعاليها ، وقال الرب خالقى : ( لنصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا وليتسلط على سمك البحر وعلى طير السماء ، وعلى البهائم وعلى كل الأرض وعلى جميع الدبابات التى تدب على الأرض) وقال لآدم أبينا ولنسله فيه ( املأوا الأرض وأخضعوها وتسلّطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض) ( التكوين 1: 26- 28 )
فأنا الإنسان إذن كائن خُلقتُ إلها صغيرا على صورة الإله الأعظم ومثاله ، ولذلك فلى كرامتى كإنسان ، وهى من كرامة سيّدى وخالقى قال الله ( ولتكن خشيتكم ورهبتكم على كل حيوانات الأرض وكل طيور السماء مع كل مايدب على الأرض وكل أسماك البحر إِنها مسلَّمة إلى أيديكم ) ( التكوين 9: 2، 3) فلا يليق بى وبإنسانيتى أن تستعبدنى رغبة ما أو شهوة ما إننى سيّد لا عبد أنا عبد لسيّدى الواحد الذى خلقنى ، ولكنى لست عبداً لشهوة ما ولا رغبة ما ، إِنى بروحى العاقلة يجب أن أحكم كل شهوة تجذبنى إلى ماهو دون طبيعتى مما يليق بالحيوانات العَجْمَاوات إنى آخذ من الطعام والشراب واللباس ما أنا بحاجة إليه لقيام جسدى ، ولكن بيدى اللجام الذى أزمّ به على دابتى ، التى هى جسدى ، فآخذ منها ما أريد عندما أريد ، وأعف عنها عندما أريد ، ولن أدع اللجام يفلت من يدى حتى لاتسوقنى شهواتى أو تدفعنى غرائزى إلى ما لاترضاه كرامة روحى السامية المخلوقة على صورة الله ومثاله
إننى أذكر ولا أنسى قول سيدى ومخلصى ( إن كل من يقترف الخطيئة هو عبد للخطيئة ، والعبد لايمكث فى البيت إلى الأبد وأما الابن فيمكث إلى الأبد) ( يوحنا 8: 34، 35) إذا عرفت من أنا ، فلن أمتهن كرامتى بأن أذلها لشخص ما ، ليخضعنى إلى مايريد هو ضدا لإرادة سيّدى إنى احترم كل إنسان أجد فيه الفضيلة بصورة لا أجدها فى نفسى وأحنى هامتى خضوعا لمن يعلونى سناً أو مركزا ، فأنا مطالب بشريعة السماء أن ( أعطى لكل واحد حقه المهابة لمن له المهابة والإكرام لمن له الإكرام) (رومية13: 7) ، ولكنى لا أتنكر لمبادئى ومبادئ ربى وسيّدى فى سبيل إرضاء إنسان يعلونى مركزا أو منصبا لو أنه دعانى لإنكار مبادئى أو مبادئ دينى وإيمانى. إننى أطيعه كرئيسى فى كل ما يأمرنى به طالما أن مايأمرنى به يتمشى ولايتعارض مع أوامر سيدى الواحد، سيّد السيادات، ورب الأرباب . أما إذا أمرنى أو طالبنى بأن أتنكر لمبادئ سيدى الأكبر، فإننى أقبل الموت شهيداً لطاعة سيّدى الأعظم، ولن أنسى حينئذ كرامتى التى هى من كرامة سيّدى وخالقى
للأنبا غريغوريس أسقف البحث العلمى